مجاوزة اللزوم

Saturday, November 30, 2013

سريالية المؤامرة

سريالية المؤامرة
عندما يتم الحبك الشديد يفقد الانسان وضوح الرؤية- مهما بلغ من مستوى تحليلي -فيصبح الموقف سخيفا ومخيفا وساذجا في ان واحد لان الحبك خروج عن السيطرة حتما، إذ أن كثرة التسطيروالتدبير يسهل اتضاح المؤامرة في كثير منها جوانبها وهو ما يعني ايضا اننا وبشكل أهم اصبحنا نرى الضوء في نهاية النفق. عند هذا المستوى يتضح أن أشكالا من اللامعقول واللامنطقي تظهر في السلوك السياسي لبعض الأطراف لتشي بمغالطات كبرى ومسارات ستقبلية خطيرة وجب الانتباه اليها. ما يمكن استقراؤه ايضا هو ان القطبين الممثلين للمشروعين المتصارعين في المنطقة العربية بدءا يفرزان عناصرهما و قواهما بشكل جلي وهو أمر في غاية الأهمية لمعرفة الصديق من العدو قبل بدأ المعركة الكبرى. 
لقد كان واضحا ان الثورات العربية كانت تستهدف انظمة بعينها وتنال رضى شق سياسي معين في المنطقة، إذ تحول الخائفون منها الى مستعملين لها عبر التصدير والتمويل والتآمر.  لم يكن من مصلحة أكثر الانظمة الخليجية حدوث ثورة في منظوماتهاالسياسية وكانت تقابل كل التحركات الشعبية بعنف في كل من السعودية والبحرين.  في سلطنة عمان كان الموقف مغايرا إذ سمحت السلطات بالتظاهر والتجمهر والاعتصام، لكن ومع ادراكها ان الموقف لا يخيف ولا يدعو الى القلق، شددت إجراءاتها وتعاملت بحزم مع التحركات فيما بعد. يمكن ان يعتبر هذا مؤشرا على أن المسألة قد تتجاوز التحركات العفوية إلى مؤامرة خارجية، وهو ما حدث فعلا بين السلطنة والامارات العربية المتحدة من اتهام بتويل وتخطيط الأخيرة لإسقاط  نظام السلطنة.  هذه الأشارة مهمة لمعرفة أنه وفي لحظة معينة إلتقطت إشارات لمخطط ما. 
إذا قيمة تحركات ما سمي بالربيع العربي تكمن فيما آلت إليه من تشكيل خارطة سياسية جديدة داخل الدول وما تسببت في نشوئه من حركات وأحداث إختلط فيها الإسلامي الدعوي بالأرهاب والتهريب والمخططات العابرة للحدود وتداخل لعناصر الصراع والفتن وإستهدفها للمقاومة مجاورة ومماحكة واستدراجا، إضافة إلى خروج للحركات الاسلامية عن مضامينها وخطاباتها وأهدافها التقليدية.  فقد تحولت الاحزاب الاسلامية المعترفة بالعملية الديمقراطية من خطابها الاسلامي دعوة ودولة وسلوكا إلى ضم عناصر المنظومة السابقة ورسكلتها والتغاضي عن المبادئ الكبرى التي كانوا ينظرون لها والفقراء الذين كانو يدافعون عنهم بإتخاذ موقع النظام السابق.
فقد ظهر في قادتهم الترف والبذخ وإمتلاء الجيبو والبطون وأصبحت تفصلهم عن الفقراء والمساكين مسافة تبينها بوضوح كثير من الأحداث ويظهرها تنكرهم لمطالب الفئات المحرومة والتشديد على أن الله يحب الأغنياء خاصة.  لقد كان من الغريب، من منطلق أدبياتهم وخطبهم السابقة، تصور حكم إسلامي ينعم فيه الحاكم بالرفاه و يبيت أفراد من الشعب جياعا وفي بيوت من قش في الشتاء البارد ويموت آخرون في غياب الدواء والطبيب وبسبب قرار من إدارتهم بالحد من الصرف على الأدوية.  لم يكن ذلك مجرد تغير في المواقف بفعل الكراسي والمسؤولية بقدر ما كان تعبيرا عن بدأ مرحلة جديدة في تنظيراتهم و أفكارهم وبرامجهم السياسية.
  إن الناظر إلى مجمل الافعال السياسية والمواقف التي استعملها تنظيم الأخوان المسلمين في مصر ونظيره النهضة في تونس يدرك بوضوح القواسم المشتركة المتمثلة في الأستيلاء على مفاصل الدولة وتفريغ المؤسسات الأمنية والدفاعية من مقومات قوتها، المحافظة على إرضاء القوى الخارجية الفاعلة وتدعيم ذلك عبر مواقف مسالمة في المسألة الفلسطينية وذلك من خلال تطمينات ومعانقات حميمية لأشخاص فاعلين مثل ماكين وبعث رسائل الإسترضاء لاسرائيل، تأجيل البت في القضايا الشرعية التي تتطلب إجابات فاصلة في مسألة الحاكمية، إستخدام المجموعات الوهابية والتغاضي عن نشاطها وتسليحها ومخططاتها التي تستهدف المؤسسات الحساسة في الدولة نفسها تدميرا وتفجيرا وإختراقا، رفض حماية الشخصيات السياسية المعارضة وتركها عرضة للإغتيالات وعدم الجدية في تتبع الجناة، إخفاء حقائق عن أيام تحركات 14 جانفي 2011، أخفاء وثائق البوليس السياسي وأرشيف وزراة الداخلية، تعريض الأمنيين الشرفاء ممن ساهوا في كشف شبكات الأرهاب إلى الأغتيال، إضعاف أداء المنظومة الأستخباراتية للدولة بالتلاعب بجهازها الداخلي...
كل هذه الحقائق الصادمة تعني شيئين أساسيين، أولهما حياد الحزب الأسلامي المتمثل في النهضة عن مشروعه العام المعلن والذي بسببه إنضمت اليه فئات عدة من الشباب وضحت من أجل رؤيته يتحقق، وهو أيضا المشروع الذي به عرفت الحركة عبر مسيرتها بقطع النظر عن صحته ومعقوليته.  أما الشيئ الثاني فهو يتثل في عدم حرص الحزب على بناء أجهزة دولة تحمي أفراد ومؤسسات و سلامة ووجود الحزب نفسه وبقية مكونات المجتمع.  الغريب هو أن الأنظمة الأكثر شمولية وإستبدادا تضع المسألة الأمنية والمحافظة على هياكل الدولة وهيبتها في مقدمة مشاغلها وهو ما يساعدها على البقاء مدة أطول.  أما في مجتمع تعددي فكان من المفروض أن يقع الحرص على سلامة الاجهزة الأمنية واجهزة الدولة وأبنائها قبل كل شيئ.  إن ما نشاهده من إستراخاء غير مبرر وتهاون وتغاض عن حماية البلد وصيانة المؤسسة الأمنية أمر محير في غاية الخطورة.  إن الحديث عن المؤامرة من جانب النهضة نفسها من أجل تفتيت المؤسسة الأمنية وإعادة بنائها أمر لا يستقيم إلا إذا تصورنا أن الحزب يضع سلامته ومستقبله بين أيدي الأرهابيين والمتشددين أنفسهم إثناء وبعد التفجير العظيم.  وإلا فإن سقوط أجهزة الدولأستضاأة هو سقوط حتمي وغير محسوب للحاكم نفسه. 
إن حسم الأمر في مصر لصالح الجيش والقوى الوطنية كشف عن أمر في غاية الأهمية والخطورة.  إلى جانب تعنت مرسي العياط ونيته السيطرة على البلد وترسيخ نفوذ الأخوان، فقد بينت إعترافات عناصرهم أن مقدار ما قدم من مواقف مجانية لصالح قطر وتركيا وإسرائيل و أمريكا يبين رعونة غريبة في الموقف والتصور والأداء.  لقد نادى مرسي بسقوط الأسد وقطع العلاقات مع سوريا وأيد ما يسمى الجهاد هنالك إرضاءا للمشروع الأعلامي والدبلوماسي القطري بدون العودة الى المصلحة والوطنية وما يعنيه هذا الدور في المحيطين الأقليمي والدولي، وهو الموقف الذي أدى مباشرة إلى إسقاطه.  ثم أن إنخراطه في الصف التركي كان يستبطن الحصول على غطاء أوروبي وغربي عموما يضفي عليه شرعية أكبر وحرية أكثر في المواقف مع مزيد من التركيز في الكرسي.  لكن غابت عنه أن مسألة الشرعية والقيمة في المواقف الغربية لا تعطى مجانا لغير محترف منتم الى جمعية إسلامية.  كما أن رسالة صداقة الى الرئيس الأسرائيلي لا تعني معاهدة سلام جديدة وعهد أمان. صحيح أن مرسي والأخوان جار مريح يعمل على أجندة تريح اسرائيل و لا تهدد أمنها، لكن  ذلك لا يعني التشبث به رئيسا وتحريك الأساطيل لأجله، وهو نفس الموقف الأوروبي والأمريكي غير المتوقع من الاخوان الذين توقعوا مجرد بيع المواقف مجانا يعطي الحق في المكسب السياسي.
 
الرعونة والسفاهة هما التان كانتا على الدوام تقودان الحركات الأسلامية إلى فخ مخابرات الدول التي تحاربهم وهي نفسها التي تتسبب في تخريب الدول التي إستولوا عليها بعد الثورات.  ومن هنا تتضح مشاركتهم في المؤامرة. يدفعون أثمانا باهضة لشراء رضا الدول الغربية، يقلبون فهم معادلة الصراع ، يساعدون عناصر المؤامرة الخارجية المتمثلة في الأرهاب، يحولون القضايا الجوهرية الى مسائل ثانوية، يثيرون الصراعات الثانوية جدا، يلهون الناس عن قضاياهم، يعطلون المشاريع الكبرى في المنطقة، يستهدفون المقاومة الثابتة والناجعة بحجج طائفية واهية، يصطفون في خندق العدو لقوت الشعوب ورفاهيتها، يبنون تحالفات باسم النهج الأسلاموي لا تعبر عن المصلحة الوطنية، يقفزون على المصالح الوطنية بولاءات خارجية، يعتدون بالوثوقية في مشروعهم لمجرد تسميتهم ايه بالاسلامي ومن ثم يخدمون المشاريع اللاوطنية ويسهلون تطبيق برنامج الدول العظمى والقوى المالية المستكرشة.

إن المشككين في المؤامرة يشاهدون اليوم ما آلت إليه الأوضاع وما ستؤول إليه قريبا ويرون أيضا دور المستفيدين منها ومواقفهم المتغيرة جذريا والمتناسقة مع الخندق المعادي للدول الاقليمية وللوطن ككل.  هذا يضعنا أمام مسؤولية إخلاقية كبيرة متثمثلة في مستواها الأدنى في إتخاذ موقف مبدئي من الخندقين المتصارعين  مبني اساسا على ثوابت الوجود القومي ومحاور الصراع التاريخي داخله: محور المقاومة ومحور القوى الوريثة للثورات إلى حد الأن.  لابد أن نضع نصب أعيننا وبكل وضوح أن القاومة هي السد المنيع الذي يحارب نيابة عنا جميعا لكي يخف عنا وطأ الأستبداد الصهيوني والغربي سياسيا وإقتصاديا وأنه مهما كانت دياناتها ومذهبها وتوجهاتها، فأن مواقفها تصب في صالحنا وأن اية محاربة لها هي بالتالي إضعاف لموقفنا.  ثم أن التلهي بتصنيف حزب الله على أنه شيعي مثلا واطلاق الأحكام التكفيرية عليه مذهبيا ليس إلا مؤامرة ضدنا ولن يفيدنا في شيئ. فمن البلاهة أن ننسق مع المخابرات الصهيونية والأمريكية وبعض الجهات العربية النفطية ،  مباشرة او بغير ذلك، من أجل محاربة نظام سوريا لأنه شيعي.  وتبعا لذك فإن إتخاذ موقف معاد للنظام السوري لا يخدم الديمقراطية والمبادئ الانسانية والنضالات الحقوقية لأن بلدا آمنا في ظل الدكتاتورية يحمل أملا في الأنعتاق والتحرر والديمقراطية أكثر من بلد ممزق تحكمه الميلشيات وقد يفني عمرا في إعادة  البناء والأستقرار. لقد فقد العراق بانخراطه في المشروع الأمريكي الحلم بالأستقرار والأمن ناهيك عن الديمقراطية.

  يقودنا هذا الكلام عن التصنيف السلفي للثورات العربية الذي سيكون عنوان المقال الأتي

No comments:

Post a Comment