مجاوزة اللزوم

Saturday, July 1, 2017


ما يسطره العقل البوليسي المعولم (اسم فاعل) والعقل المالي العالمي يقع ضمن كنس المنظومات الدينية عبر تفجيرها من الداخل وخلق عداوات بينها وبين محيطها الاجتماعي. هذه الخطوة التي وقع تفعيلها منذ 2001 بصفة اوضح تعمل على تقويض جدار الممانعة داخل وجدان الشعوب لاختراقها ثقافيا وسلوكيا ووجدانيا لكي تنخرط في المنظومة العالمية الموحدة التي تدين ليهوا جديد اكثر بهلوانية مما سبقه ولكي تدمج كل البشرية في منظومة الاستهلاك وتفرض عليه بيع ما يملك من جسد ومدخرات وقيم وفلكلور للعقل المالي العالمي. هذا العقل الذي يوظف المفكرين والعباقرة من اجل فكرة توحيد البشرية في بوتقة واحدة لا حدود فيها الا من الداخل، يخنق ساكنوها داخل كنتونات تضرب قيمة الدولة ومنظومتها لتصبح جهاز تسيير ضعيف يسير من الخارج. الحدود بمفهومها الحديث هي جدر خانقة تمنع من في الداخل من الخروج للعمل الانصهار في منظومات ثقافية اخرى وتسمح لمن هو خارج الجدار بالولوج عبر كل السبل الى الداخل. مثل البيت دجاج مثلا...
ما نراه اليوم من دعم للارهاب الاسلاموي ومحاربة له في نفس الوقت هو مؤشر يفشي السر المتمثل في كون توظيف وصناعة الإرهاب ليسا لمجرد توجيهه ضد أنظمة مزعجة لحجر الزاوية في منظومة البوليس المعولم، وإنما هي تضخيم لصورة بشعة للاسلام كما يراد للعالم ان يفهمه. هذه الصورة التي سيطرت حتى على افهام و
لاوعي المسلمين انفسهم بسبب عدم قدرتهم معرفيا على التفريق بين الدين والتراث الديني بترسيخ قيمة التقديس لكل جوانب التراث والتاريخ والمنتوج الفكري البشري المرتبط بالدين. بذلك وجدت الصورة جاهزة للتركيب في وجدان الناس حتى المفكرين منهم.  عندما ضخم المرحوم العقاد صورة العنف واخرجها بشكل دراماتيكي ممسرح جعل منها ايقونة في لا وعي العامة معبرة عن صورة مطلقة في الزمان و المكان عن علاقة المسلم بالاخر.  لم تكن الصورة المماثلة التي تعبر عن العلاقة بين المؤمنين وغير المؤمنين في العالم المسيحي باقل حدة الا ان مسرحتها ونفشها في الوجدان الغربي لم يكن بنفس  الدرجة.
من جهة اخرى، يمثل ما نراه من تعليقات عن مواضيع متعلقة بالدين والثقافة المحلية انفعالا بين قطبين احدهما يمثل المحافظة والأخر عاد الى الإعلان عن نفسه كبعد منكر لإرتباطاته الثقافية ومتجاوز لها بلا وجل او ريبة. فتصبح قضية الصوم مثلا مسالة مطروحة لنقاش يتراوح بين المشروعية وحدود الرفض.  هذه التعليقات تجد طريقها الى النقاش لتفعل عنصري الاتهام والتنصل بدل ان تكون بطبيعتها معبرة عن تفاعل طبيعي يحدث في كل المجتمعات تقريبا.  الاتهام والمحاكمة الذاتية ضروريان لكي يعبر الجانب غير المحافظ عن معادته للمكون الديني والثقافي، مما يحول دون طرح الموروث الثقافي على محك النقد الفاعل والتجاوز المدروس والمراجعة الجدية، وهو الامر الذي يؤدي عبر الانفعال الى التصادم والتفكك الذي توفره مناخات تغيب فيها سلطة الدولة وتواجدها بشكل مسؤول.
علينا ان نعي ان الترويج للقيم الإنسانية الراقية بدون معنى هو احد أسس هذا التمشي.  مثلا يقولون لك ان الديمقراطية كقيمة يجب ان تحقق تطلع الشعوب الى لتعبير عن نفسها واختيار من يحكمها.  ثم تكتشف ان هذه القيمة لا تحقق هذه الأهداف بقدر ما تخضع لادوات تغيير خارجية كالاعلام والمؤسسات المالية لكي تفرض على الشعوب حاكما لم تختره ولا يحقق لها الا مصالح الاخرين.  اذا تصبح هذه القيم أسلوبا لإخضاع الشعوب لإرادات لوبيات تقدر ان تسيطر على الاعلام وتكيف نتائج الانتخابات بما لا يسمح للشعوب حتى بتحقيق تحررها من أطماع الأجنبي في خيراتها.  بذلك تفرز المنظومات الجديدة عداوات وتطرفا محليا يقدم الوقود المطلوب للتدخل بالقوة وضرب المعارضين الذين يمثلون مقاومين للمنظومة الخارجية في درجة وعي منقوص.
ما يريده العقل المالي عبر تفعيل العقل البوليسي المعولم هو خلق حالة تفكيك تسبق مرحلة إعادة البناء.  ليس هذا التفكيك الاداة المعرفية التي لحقت المرحلة البنيوية في الفكر الغربي بقدر ماهي حركة تشكيك عامة في المكونات الثقافية للشعوب بقصد ضرب المسلمات التي تسم المكونات الثقافية لكل الشعوب. كل الشعوب ومنذ عصر الاسطورة لديها مكون ثقافي لا يخضع للتمحيص المخبري بقدر ما يساهم في تشكيل وحدتها الثقافية والوجدانية. الا ان هذه الحركة التي التقطها بعض المفكرين تخضع كل هذا الإرث الى التشكيك والابتذال والتهميش والاستهداف باعتباره عنصر تخلف، وكأن عبادة المخلوقات عند الهندي والتراتيل العبرانية امام الحائط مثلا منعت هؤلاء من في الانخراط في الصناعات والتكنولوجيا الحديثة.
ان هذا التفكيك لا يهدف الى التخلص من الموروث لاحداث تقدم وحلحلة للواقع بقدر ما يستهدف إعادة برمجة وتوزيع المكونات الثقافية تحت مسميات جديدة لا تغير غير الاغلفة ولا يسمح لها بصنع انسجة ووجدان وروح بناء جديدة كما يحلم المنخرطون في هذه الشطحات.  لم يتغير المكون الثقافي في جنوب السودان ولم تتطور النظرة الى الأشياء بعد انفصاله عن الجزء الشمالي العربي المسلم.  لا بل انفجرت صراعات داخلية وقبلية قديمة ولم يتدخل الضامنون الدوليون من حكومات ومنظمات لضمان انتقال هذه الدولة الى الوضع الموعود.
في ظل هذه الموجة التي نراها اليوم  يصبح طرح مسالة المقاومة أرضية بديلة للشعوب لكي ترسخ ثقافة الصمود الشعبي المدني  في وجه المؤامرة عبر تجنب السقوط في معاداة الموروث بشكل اعمى والدفاع عنه في شكل المقدس. 
 

Friday, January 20, 2017

ادراة ترامب


هذه تسمى قانونيا ادراة ترامب يعني انها ادارة لسياسة تصنعها ماكينة سياسية يبدو ان ملامحها بدأت تظهر. الماكينة تحدد حاجة امريكا في كل مرحلة. جيئ بالبوشين الاب والابن لغاية ضرب محاور معينة والضغط على الدول النفطية، ثم جيء بمبارك ابو عمامة لكي يظهر قريبا م
ن المسلمين ومتسامحا بغرض تسليم القيادة للاسلاميين. انتهت مرحلتهم ووجب التخلص منهم فجئ بمن يضغط عليهم وربما يزيحهم الى النهاية، وهذا يتطلب سياسة موجعة ومزعجة للشركات العالمية وللمنظومة البنكية والاستخباراتية وفي المحصلة هنالك تغيير في اتجاه التركيز على الداخل وهو امر ايجابي بالنسبة لنا اذ ان مشروع الاخوان الذي يستهدفنا ويهدد استقرار دولنا لن يجد دعما هذا اذا صمد اصلا امام الهزات المقبلة. يبقى موقفهم من فلسطين فهذه امور محسومة امريكيا وسيستغل الصهاينة الموقف لتدعيم تمترسهم. لكن الدعم للصهاينة لن يكون ذا بال وما نراه اليوم ه غزل للصهاينة لا غير. نحن ازاء منتوج سياسي جديد ومختلف وكفي ان نرى الواقعية في كلام ترامب والمباشرتية في خطابه. من اراد ان يفهم هذا البعد في عمقه فليقرأ عن زيارة المرحوم هيكل لفورد، ترامب فيه الكثير من ملامح فورد الشعبوية لكن بشكل اكثر حزما ووطنية. هنالك رواية لجان دوس باسوس يحلل فيها ايضا شخصية رؤوس الاموال الذين صنعهم الحلم الامريكي فجسدوه. نحن ازاء مرحلة جديدة على سياسيينا ودبلوماسيتنا الوعي بها.