مجاوزة اللزوم

Monday, June 8, 2015

الحركيون الجدد، توظيف التاريخ للهدم الذاتي

الحركيون الجدد، توظيف التاريخ للهدم الذاتي
الحركية هي عقيدة العدو الداخلي وفيروس تاريخي في الامة...
يقدم الحركيون انفسهم بانهم حركة نشاط وفاعلية، فهم بذلك يعرفون انفسهم بانهم تحركوا ضد الفئة الواحدة وهيمنة الحزب الوحيد على قضية تحرر الجزائر من الاستعمار.  وكانت ضرباتهم موجهة الى الجيش الجزائري دفاعا عن الجيش الفرنسي، مقابل اجور شهرية  تصل الى 500 فرنك في اليوم.
كل هذا والحركيون، وبحربهم ضد الثوار، كانوا يدعون انهم يتمنون ان يقع تمتيع الجزائر باستقلال داخلي والتجهيز للاستقلال التمام، كما حدث في تونس.  لئن بدا الموقف اختلافا في الرؤى لمعركة تحرر الجزائر، فإن مجريات الامور كانت تشي بانهم مجرد مرتزقة يقاتلون ابناء بلدهم نصرة للمستعمر من اجل اجرة ومنصب.  لم يكن لهم من موقف وطني او راي مختلف.   انتهى الامر بفرار اكثرهم واعدام البقية على يد الجزائريين بعد طرد الفرنسيين.
بالنظر في التركيبة القبلية للامر وبدون الذهاب بعيدا، يمكننالقول بكل جازم، وبناءا على شهادات الحكيين الاحياء الان، ان اصيلي منطقة القابيل كانوا صادقين في ولائهم وجادين في قتالهم في اي من الصفوف التي اختاروها.  كان الذين والوا الفرنسيين منهم بنفس شجاعة واقدام من والوا الجزائريين.  ثم ان فرنسا تخلت عنهم في فرنسا وسلمتهم ليلقوا مصير الخائن على يد جبهة التحرير.  بنفس القدر من الازدراء والتجاهل تقريبا تعامل الجيش الاسرائيلي مع ابناء جيش لبنان الجنوبي، وقد ساهدنا مباشرة هذا التعامل الممنهج على شاشات التلفزة لحظة الانسحاب من جنوب لبنان. ليست لدينا صور دقيقة عن وضع الحركيين من زمن الرومان عندما قام البربر بالعمل كجنود متطوعن لمحاصرة الطوارق على خط اللمس، او عندما عمل بكلي البربري معينا للفاطميين على التنكيل بقبائل من بني جلدته.
لقد تعددت صور الظاهرة "الحركية" في تاريخنا القديم والمعاصر ولم نقف الا عند صورة مصير الخونة وتكرار ظاهرة الخيانة في منطقتنا بطرق تمتد من النقد الذاتي الى الشتم وقراءة الدرس.  لم ننتبه في كل القراءات ان "الحركية" هي خنث ثقافي وعهر حضاري وهي ايضا عاهة مستديمة يسببها غياب الموضوعية وتناولنا للاشياء كمثقفين تغلب علينا نظرة الانا المحور المرجع ويغيب عنا منطق الرؤى العلمية المرجعية.  هي زنا بالمعنى التعسف على الاشياء دفعا بالاختلاف الى تبني اللامنطق. 
كل الحركيين عبر التاريخ هم معتمدون ايمانا او تكلفا على قراءة متعسفة للواقع ترى الامر بالمخالفة  للواقع ولو بالوهم.  قد يكون مفهوم الوطن غير مكتمل في الذهنية الجمعية  في الماضي، فكان لهؤلاء الحركيين بعض العزاء في اعتماد ولاءات اجنبية والانخراط فيها بيعا للاهل والارض والثقافة.  قد تكون لهم رؤية ضبابية بحكم كثرة الغزاة وبطشهم وغياب القيادة المحلية في فترات تاريخية متباعدة.  لكن ليس للتخلف من عذر لا للخيانة من سبب ولا للتشرذم من عقل، خصوصا وحركيو اليوم لهم ابواق اعلامية وثقفوت وسماسرة سياسة وغيرها من الادوات التي نفخ فيها الاستعمار الجديد من روحه عبر اليات الاستثمار في الفوضى.
عندما يطلب احدهم اعادة رسم الخرائط وبرمجة الشعوب وتغيير لغاتها ومعتقداتها تعسفا على التاريخ لمجرد كون الماضي لم يكن عادلا بما يكفي ليرضى عنه كل الناس اليوم، عندها تفهم ان الشحن يتم بطريقة عامية سطحية لانفس شبعت اضطهادا وحرمانا من اوجه متعددة اخرى، فاصبح بالامكان تصعيد النقمة بتشكيلات ممنطقة احيانا ونعرات قبلية وعائلية ومناطقية وفقهية ولغوية احيانا اخرى. 
ان هذه الشعوب التي تعاني الحرمان المعيشي بتغييبها عن سبب ازمتهاالنفسية والجسدية، تهرب من وحه قضياها المعيشيى اساسا وتساق الى تبني قضايا وعي مغلوط بالمطالبة بتطبيق دين على شاكلة معينة او تغيير نمط عيش او لغة او انتماء لكي تصعّد الشحن النفسي المرافق لمعاناتها المعيشية. اللامنطق في هذا ايضا هو ان لا علاق جدلية وعلمية بين ما تعانيه الشعوب من جهل وتفقير وتهميش وما تساق الى تبنيه من مواقف واقوال.  يتطلب تغيير وضعها ثورة حقيقية على من يسلبها حريتها ولقمتها وقرارها ويحول بينها وبين تجسيد برنامجها ومطالبها، ولا يتطلب ذلك تبني كلام الفتاوي الغريبة او المطالبات بالانتقام  من شخصيات تاريخية لم نعد نجد حتى مقابرها اليوم.
لا يمكن دس دعاوي الانسلاخ من وطن وتغيير لون علمه او لغته او اسمه الا باسلوب "حركي"  يوجه السلاح الى من يقاتل لكي تنتصر انت.  لا يمكن ان يشق اجتماع الناس  على مطالب وطنية الا من ي ريد ان يركب موجة حركية جديدة.  لا يستمرأ احد مسح الواقع الثقافي ونسفه الا ان يولغ في دماء ابناء جلدته من اجل وهم اختطه سابقوه. لا يقبل الله ان تسيل الدماء لكي يرضى.  لا يقدر احد ان يسقط هوى هوية واهية على الاخرين باسم حقوق تاريخية او متطلبات او الزامات دينية.
"الحركية" التي نعرفها هي حركة تاريخية صنعها الاستعمار الفرنسي للجزائر ووظف المكون الثقافي لجلب المهزوزين انتماءا وتعميق تهميشهم عبر اشراكهم  في محاربة المناضلين الوطنيين.  يبدو ان توظيف الحركيين البربر ضد اخوتهم من الطوارق كان درسا للفرنسيين وغيرهم من الاستعماريين لقوة المدخل النفسي والحضاري.  بريطانيا وظفت الطموحات القبيلة والاطماع السلطوية للتخلص من العثامنيين، كما ان امريكا ايضا وظفت الانتماءات العقدية المذهبية لكي تستطيع تركيع العراق فاصبح قتل الشيعي للسني والسني للشيعي امرا ضروريا لدخول الجنة، في حين ان التعامل مع المحتل فرصة لتحييد الطرف الاخر من التشكيلة السياسية المنتظرة. 
شعوب الارض تطلق الوصف الصحيح على من يخترق مصلحة الوطن لرؤية ضيقة او مخمصة في راي او نبش لماضي بخلفية غير علمية، في الواقع الوعي الزائف يبدأ بزرع الشك في موطن الاتفاق واليقين.  يقينك في تاريخك ولو كانت فيه صفحات تزييف محدودة يصبح كل التاريح مجالا للاختلاق من جديد والتزييف مرة اخرى لتنتج صفحة تاريخية اخرى اشد كذبا من الاولى.  الاديان ليست موضوعا علميا ولا مجالا للتجربة العلمية بحثا عن اليقينية ، لان اليقينات العلمية صحيحة في سياق ما وفي فتة تاريخية معينة قبل ان يقع تطويرها او تجاوزها.  وهكذا فان كل خطاب خاضع لمعيار الصدقية، الامر الذي يجعل الخبر، اي خبر، محمول على الصدق والكذب، بدرجات مختلفة.  وبذلك فان زرع التشكيك في اي خطاب امر طبيعي وشائع ومتاح.  لكن الموقف المشكك ذاته والقراءة المشككة ذاتها قابلين للتشكيك. وعندما يتعلق الامر بنصوص مرجعية كالدين والتاريخ والولاء الوطني، فإن التشكيك قد يكون فتنة وليست علما او منهجا مستأنسا. 
بذلك يظهر لنا المرجفون اليوم الذين يتصرفون ب"حركية" هادمة للشعب ولمؤسسات الدولة وكيانها الحضاري والثقافي في طلب وهم بركوب قضايا لها شرعية في ظاهر القول.  من ينادي اليوم بحركية حقوقية كانت او دينية او مدنية فهو داعي الى "حركية" وحراك مشبوهة فاحذروهم، هم العدو.
 

No comments:

Post a Comment