مجاوزة اللزوم

Saturday, July 1, 2017


ما يسطره العقل البوليسي المعولم (اسم فاعل) والعقل المالي العالمي يقع ضمن كنس المنظومات الدينية عبر تفجيرها من الداخل وخلق عداوات بينها وبين محيطها الاجتماعي. هذه الخطوة التي وقع تفعيلها منذ 2001 بصفة اوضح تعمل على تقويض جدار الممانعة داخل وجدان الشعوب لاختراقها ثقافيا وسلوكيا ووجدانيا لكي تنخرط في المنظومة العالمية الموحدة التي تدين ليهوا جديد اكثر بهلوانية مما سبقه ولكي تدمج كل البشرية في منظومة الاستهلاك وتفرض عليه بيع ما يملك من جسد ومدخرات وقيم وفلكلور للعقل المالي العالمي. هذا العقل الذي يوظف المفكرين والعباقرة من اجل فكرة توحيد البشرية في بوتقة واحدة لا حدود فيها الا من الداخل، يخنق ساكنوها داخل كنتونات تضرب قيمة الدولة ومنظومتها لتصبح جهاز تسيير ضعيف يسير من الخارج. الحدود بمفهومها الحديث هي جدر خانقة تمنع من في الداخل من الخروج للعمل الانصهار في منظومات ثقافية اخرى وتسمح لمن هو خارج الجدار بالولوج عبر كل السبل الى الداخل. مثل البيت دجاج مثلا...
ما نراه اليوم من دعم للارهاب الاسلاموي ومحاربة له في نفس الوقت هو مؤشر يفشي السر المتمثل في كون توظيف وصناعة الإرهاب ليسا لمجرد توجيهه ضد أنظمة مزعجة لحجر الزاوية في منظومة البوليس المعولم، وإنما هي تضخيم لصورة بشعة للاسلام كما يراد للعالم ان يفهمه. هذه الصورة التي سيطرت حتى على افهام و
لاوعي المسلمين انفسهم بسبب عدم قدرتهم معرفيا على التفريق بين الدين والتراث الديني بترسيخ قيمة التقديس لكل جوانب التراث والتاريخ والمنتوج الفكري البشري المرتبط بالدين. بذلك وجدت الصورة جاهزة للتركيب في وجدان الناس حتى المفكرين منهم.  عندما ضخم المرحوم العقاد صورة العنف واخرجها بشكل دراماتيكي ممسرح جعل منها ايقونة في لا وعي العامة معبرة عن صورة مطلقة في الزمان و المكان عن علاقة المسلم بالاخر.  لم تكن الصورة المماثلة التي تعبر عن العلاقة بين المؤمنين وغير المؤمنين في العالم المسيحي باقل حدة الا ان مسرحتها ونفشها في الوجدان الغربي لم يكن بنفس  الدرجة.
من جهة اخرى، يمثل ما نراه من تعليقات عن مواضيع متعلقة بالدين والثقافة المحلية انفعالا بين قطبين احدهما يمثل المحافظة والأخر عاد الى الإعلان عن نفسه كبعد منكر لإرتباطاته الثقافية ومتجاوز لها بلا وجل او ريبة. فتصبح قضية الصوم مثلا مسالة مطروحة لنقاش يتراوح بين المشروعية وحدود الرفض.  هذه التعليقات تجد طريقها الى النقاش لتفعل عنصري الاتهام والتنصل بدل ان تكون بطبيعتها معبرة عن تفاعل طبيعي يحدث في كل المجتمعات تقريبا.  الاتهام والمحاكمة الذاتية ضروريان لكي يعبر الجانب غير المحافظ عن معادته للمكون الديني والثقافي، مما يحول دون طرح الموروث الثقافي على محك النقد الفاعل والتجاوز المدروس والمراجعة الجدية، وهو الامر الذي يؤدي عبر الانفعال الى التصادم والتفكك الذي توفره مناخات تغيب فيها سلطة الدولة وتواجدها بشكل مسؤول.
علينا ان نعي ان الترويج للقيم الإنسانية الراقية بدون معنى هو احد أسس هذا التمشي.  مثلا يقولون لك ان الديمقراطية كقيمة يجب ان تحقق تطلع الشعوب الى لتعبير عن نفسها واختيار من يحكمها.  ثم تكتشف ان هذه القيمة لا تحقق هذه الأهداف بقدر ما تخضع لادوات تغيير خارجية كالاعلام والمؤسسات المالية لكي تفرض على الشعوب حاكما لم تختره ولا يحقق لها الا مصالح الاخرين.  اذا تصبح هذه القيم أسلوبا لإخضاع الشعوب لإرادات لوبيات تقدر ان تسيطر على الاعلام وتكيف نتائج الانتخابات بما لا يسمح للشعوب حتى بتحقيق تحررها من أطماع الأجنبي في خيراتها.  بذلك تفرز المنظومات الجديدة عداوات وتطرفا محليا يقدم الوقود المطلوب للتدخل بالقوة وضرب المعارضين الذين يمثلون مقاومين للمنظومة الخارجية في درجة وعي منقوص.
ما يريده العقل المالي عبر تفعيل العقل البوليسي المعولم هو خلق حالة تفكيك تسبق مرحلة إعادة البناء.  ليس هذا التفكيك الاداة المعرفية التي لحقت المرحلة البنيوية في الفكر الغربي بقدر ماهي حركة تشكيك عامة في المكونات الثقافية للشعوب بقصد ضرب المسلمات التي تسم المكونات الثقافية لكل الشعوب. كل الشعوب ومنذ عصر الاسطورة لديها مكون ثقافي لا يخضع للتمحيص المخبري بقدر ما يساهم في تشكيل وحدتها الثقافية والوجدانية. الا ان هذه الحركة التي التقطها بعض المفكرين تخضع كل هذا الإرث الى التشكيك والابتذال والتهميش والاستهداف باعتباره عنصر تخلف، وكأن عبادة المخلوقات عند الهندي والتراتيل العبرانية امام الحائط مثلا منعت هؤلاء من في الانخراط في الصناعات والتكنولوجيا الحديثة.
ان هذا التفكيك لا يهدف الى التخلص من الموروث لاحداث تقدم وحلحلة للواقع بقدر ما يستهدف إعادة برمجة وتوزيع المكونات الثقافية تحت مسميات جديدة لا تغير غير الاغلفة ولا يسمح لها بصنع انسجة ووجدان وروح بناء جديدة كما يحلم المنخرطون في هذه الشطحات.  لم يتغير المكون الثقافي في جنوب السودان ولم تتطور النظرة الى الأشياء بعد انفصاله عن الجزء الشمالي العربي المسلم.  لا بل انفجرت صراعات داخلية وقبلية قديمة ولم يتدخل الضامنون الدوليون من حكومات ومنظمات لضمان انتقال هذه الدولة الى الوضع الموعود.
في ظل هذه الموجة التي نراها اليوم  يصبح طرح مسالة المقاومة أرضية بديلة للشعوب لكي ترسخ ثقافة الصمود الشعبي المدني  في وجه المؤامرة عبر تجنب السقوط في معاداة الموروث بشكل اعمى والدفاع عنه في شكل المقدس. 
 

Friday, January 20, 2017

ادراة ترامب


هذه تسمى قانونيا ادراة ترامب يعني انها ادارة لسياسة تصنعها ماكينة سياسية يبدو ان ملامحها بدأت تظهر. الماكينة تحدد حاجة امريكا في كل مرحلة. جيئ بالبوشين الاب والابن لغاية ضرب محاور معينة والضغط على الدول النفطية، ثم جيء بمبارك ابو عمامة لكي يظهر قريبا م
ن المسلمين ومتسامحا بغرض تسليم القيادة للاسلاميين. انتهت مرحلتهم ووجب التخلص منهم فجئ بمن يضغط عليهم وربما يزيحهم الى النهاية، وهذا يتطلب سياسة موجعة ومزعجة للشركات العالمية وللمنظومة البنكية والاستخباراتية وفي المحصلة هنالك تغيير في اتجاه التركيز على الداخل وهو امر ايجابي بالنسبة لنا اذ ان مشروع الاخوان الذي يستهدفنا ويهدد استقرار دولنا لن يجد دعما هذا اذا صمد اصلا امام الهزات المقبلة. يبقى موقفهم من فلسطين فهذه امور محسومة امريكيا وسيستغل الصهاينة الموقف لتدعيم تمترسهم. لكن الدعم للصهاينة لن يكون ذا بال وما نراه اليوم ه غزل للصهاينة لا غير. نحن ازاء منتوج سياسي جديد ومختلف وكفي ان نرى الواقعية في كلام ترامب والمباشرتية في خطابه. من اراد ان يفهم هذا البعد في عمقه فليقرأ عن زيارة المرحوم هيكل لفورد، ترامب فيه الكثير من ملامح فورد الشعبوية لكن بشكل اكثر حزما ووطنية. هنالك رواية لجان دوس باسوس يحلل فيها ايضا شخصية رؤوس الاموال الذين صنعهم الحلم الامريكي فجسدوه. نحن ازاء مرحلة جديدة على سياسيينا ودبلوماسيتنا الوعي بها.

Friday, March 11, 2016

في فوبيا ايران ومعادلات السياسة

في فوبيا ايران ومعادلات السياسة
 
السياسة لديهم علم وفن ومصلح وطنية وفق رؤية استراتيجية وموقع اقليمي وليست بمعنى احب واكره وهواي شرقي او غربي او حقدي اطول من حرب البسوس.  الدول المحترمة تتصرف هكذا وهي محترمة لا يجب ان تعجبني.  ايران تتداخل مصالحها مع العرب وفي غياب مشروع رؤية تاريخية استراتيجية وموقع اقليمي عربي تاخذ ما تقدر عليه وفق رؤيتها المنطقية للاشياء والجغرافيا من حولها، ليس هذا استعمارا ولا هو هيمنة بل هو منطق الاشياء.  ايران ليست عدوا ولا هي مستعمر، هي دولة تسمي الخليج فارسيا وتمثل الدور سياسيا وعسكريا واقتصاديا ضمن رؤية مصالح وطنية، لن يكون الخليج عربيا الا اذا صيغ ضمن رؤية للتاريخ والمستقبل.  ومن لا يفهم هذا المنطق فعليه ان يكون اخوانيا او هاويا للسياسة...دخول ايران في الملفات العربية هو مسالة مصالح وطنية لها كدولة وهو ايضا سند لطرف في المنطقة اسمه المقاومة.  افيقوا قبل ان تكونو مجبرين على الانحناء للمشروع المعادي للامة بفعل الصدمة:  هنالك مشروع يصاغ في المنطقة بمفردات السياسة والمقاومة والمصالح المشتركة بين القوى الوطنية المعادية لمشروع سايكسبيكو الجديد واصحاب المشروع القاضي بتقسيم المنطقة الى ديلات اشد لعقا لاحذية الغرب المفلس والمداس اصلا من الشركات الكبرى واباطرة المال العالمي.  ان المارهنين على الغرب سابقا لتوفير شيء من النمو والاستقرار عبر ارضاء اوروبا وامريكا لم يعد بامكانهم الحياة مع هذه المعادلة التي انتهت بموجب واقع اقتصادي واملاءات مالية استثنائية جدا انتبه اليها الناس بعد ازمة 2008 ولذلك فمعادلات الامن والسلامة وتحسين الاوضاع عبر الركون الى جناح الغرب في اطار دويلات  صغيرة ومقزمة لم يعد لمعادلته من مبرر، والا لما سقطت انظمة مثل ما وقع في تونس ومصر واليمن.  المعادلات السياسية اليوم تتمحور حول صياغ منظومة مقاومة سياسية واقتصادية  او الانخراط في اليأس عبر انتظار الدم والتقسيم والتجويع بلا جزرة ولا اي شيء في المقابل تنفيذا لمشروع تغيير الخارطة السياسية المطلوب ماليا عالميا قبل ان يكن ذلك مشروعا صهيونيا امريكيا.       ما يمكن ان ينبت تحت ظل هذه الحالة اليائسة المنتظرة للخراب هو مشاريع دول العصابات الداعشية وامارات الاخوان الحالمين بمتر مربع ينفذون فيه مشروعهم في تنفيذ الشريعة المنتمية ظلما للاسلام واخوانهم من المحتلمين بدويلات الاقليات التي لا يسندها حق ولا تاريخ ولاعقل.   مشاريع الانتحار هذه ستجد نفسها يوما على مذبح الراسمال المعولم ولن تتمكن من صناعة هوية في عالم يراك سيدا او خادما لا يختار حتى اسمه.  ما نراه اليوم هو صور لهذا، فمن اختار تسمية للاقليات في المنطقة؟ من سمى الحركات الداعشية ورموزها؟  هذه كلها اسماء معدة باتقان مراكز الدراسات الاستراتيجية والمخابرات، فالبربر وغيهم من الاقليات المرتبطة بهم يقدم لهم امازيغ وشعار افريقي له دلالات حضارية وتاريخية اخرى.  والدواعش يهدى لهم شخص اسمه ابو بكر ابو السنة المرتبطة بالتاريخ الواهم عن بغداد الحضارة  والرخاء ، والمحاربون لفقراء اليمن القاتلون لابنائهم يسمون  درعا.  وهكذا تصنع لغة لنا للنخرط فيها وفي دلالتها ومساق خطابيتها وما تفعله بالعقل الباطن.     
                                      من لديه ذرة عقل يترك الخصومة حول ايران وماضي المآسي وينظر الى موقعه مما يجري: اما محور مقاومة او قبو استكانة الى ان يحل الزلزال المدمر.   المقاومة لا تعني ان نسلم بان حزب الله وايران مخلوقات طاهرة وملائكة رحمة ولا يعني ان نرفع علم ايران تمجيدا ولا صور الملالي والمراجع خنوعا.  لا يعني ايضا ان ننتطر منهما ان يحميا وطننا ويبنيانه، انها مسالة خيار نلتقي عليه ونبني في ظله ونفترق عليه.  لا احد من اصحاب العقول ينتظر منا ان نركن تحت اجنحتهم ولا ان نستجديهم ، فقط من عاش بغقلية المذلة والعمالة يفهمون الامور بهذا الشكل
الايمان بهذا المشروع لا يقتضي ان نصبح شيعة ونتنكر لمذاهبنا ولا ن نمارس اللطميات او ان ننتصب منتقمين من الامويين اونابشين في التاريخ الدموي الذي بناه الحكام وفقهاء.
 من لا يفهم موقعه اليوم ويفهم مقاييس صياغ المعادلات لا يفهم اية صيغ في لغتي.

Saturday, January 9, 2016

بين المناكفة والتمكين والمقاومة

بين المناكفة والتمكين والمقاومة
تعمل نماذج العمل السياسي وفق قواعد مطلبات الطرح وسقف الاهداف.  لذلك فاسلوب النضال يعبر عن حقيقة البديل السياسي وعن تأصله وجدية طرحه.  وعكس ما كان يعتمد في تقييم طروحات واساليب العمل السياسي، نضالا كان او عملا محدودا، من راديكالي مقابل اعتدال، او سياسة مقابل عنف، أو حلول مجتزأء مقابل حلول ثورية جذرية، فإن مجمل التجارب السياسية افرزت نماذج أخرى متماهية مع نوعية الطرح السياسي ومعبرة عن صدقيته ومستوى تطلعاته.  من الجدير بنا اليوم اعتماد هذه النماذج لمقاربة المشاريع والبرامج السياسية للحركات والاحزاب ومعرفة مواطن الخلل ومآل هذه المشاريع التي قد تبدو لنا اكثر قدرة شعبية وقدرة على تغطية التطلعات الكبيرة.
في مجمل التجارب السياسية للمعارضات الوطنية والنضالات ضد المحتل والاجنبي والحركات الشعبية عموما، هنالك ثلاث خيارات اعتمدتها الحركات سواءا عن وعي او تمثلا غير واقع لحجمها وتطلعاتها ونوعية مشاريعها.  يمكن حصر هذه الاساليب السياسية و"النضالية" في منهج المناكفة واسلوب التمكين وبديل المقاومة. 
مثلت المناكفة اسلوب معارضة شعبية حزبية ونقابية احيانا كشكل من العناد في وجه الحاكم لاحداث ضجيج متواصل، دون الدخول في صدامات ثورية راديكالية، من اجل تحسين اوضاع معيشية او ارغام صاحب السلطة على الرضوخ لمطالب ملحة وتطلعات شعبية محصورة.  من المهم ربط هذا المنهج بمجمل العلاقات التي قامت بين الحاكم والرعية الى ما بعد نهايات الفترة الاولى من الاستعمار الفرنسي لتونس عندما كانت مجمل ردود الافعال على الجباية والظلم تنحصر في الانتفاضات التي تعبر عن وجدان رافض بدون خطة عمل او تطلع لتغيير نظام الحكم، أي ان هذه الافعال في مجملها محصورة في الزمان والفاعلية وغير ممتلكة لمشروع بديل او لجرأة على التغيير الفعلي والكامل، أو حتى لتصور لما ستكون عليه الامور اذا ما انزاح الظلم بعوامل خارجية.  وهذا عامل مهم في فهم الانكسارات التي حدثت لكل الحركات المناكفة والتحركات الوجدانية العفوية.  لقد اعادت شعوب منطقتنا انتاج نفس الفشل كل مرة لانها لم تتحسس طريق المقاومة والفعل الحقيقي. هذه النظرة كانت تغلب حتى على التصورات والبدائل الثورية بعد كل انكسار، فيتحول المشروع الكبير الى مشاكسات مع انظمة الحكم تنتهي بتدجين وتركيع المشاكسين، ولعل الامر نفسه ينطبق على الردود العفوية التي وسمت سياسات انظمة كثيرة استدرجت الى الهرسلة والحرب والتدمير بعل غياب بديل المقاومة كخيار استراتيجي.
في نفس الوقت قدمت مرجعات دينية وغير دينية اسلوب التمكين كوسيلة للوصول الى مركز القرار بسلام وتفعيل التغيير من داخل المنظومة.  غير ان الملفت هو ان التغيير في الاخير يحدث لمنظومة طالبه اكثر مما يؤدي الى تغيير الواقع بديلا افضل وحلما شعبيا اسمى.  لعل المرجعيات الفقهية المتسترة بمشروعية التقية قد وفرت مشروعية لقادتها ان يستعملوا التلين والتلون كوسائل للمهادنة والتسرب الى السلطة لتغيير الواقع والتمكن من تنفيذ مشاريعهم من خلال ذلك، وبعيدا عن المشروعية، فإن المحصلة غالبا ما تكون الاستدراج الى المنظومة والانظباط لها اكثر مما تمثل خيارا لمحاربة الفساد وتحقيق العدل والرخاء.  ثم أن التمكين عبر الانخراط في منظومات المال العالمية هو افراغ للمشروع البديل من كل عمق شعبي وتمييع للقضية ولحاملي مشعلها، فعندما تحولت همة بعض حركات النضال الوطني الى الحصول على التبرعات والهبات، شل الشعور بالرخاء والانخراط في الاعمال النضال واصبح المال بديلا عن الوطن وغاب صوت البندقية ليصبح شح التبرعات مؤديا للسقوط في اسلو وما تلاها.  وهو ما يقع كل عقد تقريبا لحركات كثيرة بحثت عن التمكين فتحولت الى جزء من المكينة العامة لمؤازرة الكشروع القائم عبر توهمها احداث تغيير بطيئ مع الوقت. 
من جانب مقابل نرى ان الشعوب التي بنت روحا ثورية متوارثة وحققت امجادا تاريخية وانتصارات غير قابلة للمساومة ضد اعدائها، كانت قد بنت ذلك على تأسيس ثقافة مقاومة وروح مقاومة وعقيدة مقاومة.  لعل الرؤية العامية لمسألة المقاومة تستحضر العنف والحرب والراديكالية كاساليب وصور حصرية معبرة عن البديل.  أي أن المقاومة هي فعل عنيف وعناد قوي واصرار سيزيفي من اجل بلوغ هدف سياسي معين.  إلا ان المقاومة هي رؤية غير مجتزأة للاشياء تنظر الى خارطة فيها معالم واضحة وحدود جلية لمن هو العدو وعقيدة راسخة لتاريخية القضية وايمانا يقينيا بعدالة المطلب.  كما انها لا تؤمن بالوهم المتمثل في اعتماد التقية للوصول الى التمكين.  وهي ايضا رد على متطلبات الديناميكية والشجاعة المطلوبتان لفرض الخيارات على الميدان وتحقيق الامتدا الشعبي الضروري لكل قضية.
لعل المعنى الاهم ف تناول هذه الخيارات ومناقشتها ولو بشك موجز هو محاولة لفهم جزئ هام من تاريخنا تمثل في الحركات الاجتماعية التي لا تؤول الا الى فشل ولا تنتهي الا بمأساة وانكسار جديد كل مرة ينفلت فيها العقال لحظة غضب ونقمة من اوضاع الظلم والحيف والاستبداد والتفقير.  هذا ما يفسر توق انفسنا الى الحرية والعدل والكرامة بدون القدرة على تشكيل بديل يجعل المقاومة قضية وعقيدة.
 


Monday, June 8, 2015

الحركيون الجدد، توظيف التاريخ للهدم الذاتي

الحركيون الجدد، توظيف التاريخ للهدم الذاتي
الحركية هي عقيدة العدو الداخلي وفيروس تاريخي في الامة...
يقدم الحركيون انفسهم بانهم حركة نشاط وفاعلية، فهم بذلك يعرفون انفسهم بانهم تحركوا ضد الفئة الواحدة وهيمنة الحزب الوحيد على قضية تحرر الجزائر من الاستعمار.  وكانت ضرباتهم موجهة الى الجيش الجزائري دفاعا عن الجيش الفرنسي، مقابل اجور شهرية  تصل الى 500 فرنك في اليوم.
كل هذا والحركيون، وبحربهم ضد الثوار، كانوا يدعون انهم يتمنون ان يقع تمتيع الجزائر باستقلال داخلي والتجهيز للاستقلال التمام، كما حدث في تونس.  لئن بدا الموقف اختلافا في الرؤى لمعركة تحرر الجزائر، فإن مجريات الامور كانت تشي بانهم مجرد مرتزقة يقاتلون ابناء بلدهم نصرة للمستعمر من اجل اجرة ومنصب.  لم يكن لهم من موقف وطني او راي مختلف.   انتهى الامر بفرار اكثرهم واعدام البقية على يد الجزائريين بعد طرد الفرنسيين.
بالنظر في التركيبة القبلية للامر وبدون الذهاب بعيدا، يمكننالقول بكل جازم، وبناءا على شهادات الحكيين الاحياء الان، ان اصيلي منطقة القابيل كانوا صادقين في ولائهم وجادين في قتالهم في اي من الصفوف التي اختاروها.  كان الذين والوا الفرنسيين منهم بنفس شجاعة واقدام من والوا الجزائريين.  ثم ان فرنسا تخلت عنهم في فرنسا وسلمتهم ليلقوا مصير الخائن على يد جبهة التحرير.  بنفس القدر من الازدراء والتجاهل تقريبا تعامل الجيش الاسرائيلي مع ابناء جيش لبنان الجنوبي، وقد ساهدنا مباشرة هذا التعامل الممنهج على شاشات التلفزة لحظة الانسحاب من جنوب لبنان. ليست لدينا صور دقيقة عن وضع الحركيين من زمن الرومان عندما قام البربر بالعمل كجنود متطوعن لمحاصرة الطوارق على خط اللمس، او عندما عمل بكلي البربري معينا للفاطميين على التنكيل بقبائل من بني جلدته.
لقد تعددت صور الظاهرة "الحركية" في تاريخنا القديم والمعاصر ولم نقف الا عند صورة مصير الخونة وتكرار ظاهرة الخيانة في منطقتنا بطرق تمتد من النقد الذاتي الى الشتم وقراءة الدرس.  لم ننتبه في كل القراءات ان "الحركية" هي خنث ثقافي وعهر حضاري وهي ايضا عاهة مستديمة يسببها غياب الموضوعية وتناولنا للاشياء كمثقفين تغلب علينا نظرة الانا المحور المرجع ويغيب عنا منطق الرؤى العلمية المرجعية.  هي زنا بالمعنى التعسف على الاشياء دفعا بالاختلاف الى تبني اللامنطق. 
كل الحركيين عبر التاريخ هم معتمدون ايمانا او تكلفا على قراءة متعسفة للواقع ترى الامر بالمخالفة  للواقع ولو بالوهم.  قد يكون مفهوم الوطن غير مكتمل في الذهنية الجمعية  في الماضي، فكان لهؤلاء الحركيين بعض العزاء في اعتماد ولاءات اجنبية والانخراط فيها بيعا للاهل والارض والثقافة.  قد تكون لهم رؤية ضبابية بحكم كثرة الغزاة وبطشهم وغياب القيادة المحلية في فترات تاريخية متباعدة.  لكن ليس للتخلف من عذر لا للخيانة من سبب ولا للتشرذم من عقل، خصوصا وحركيو اليوم لهم ابواق اعلامية وثقفوت وسماسرة سياسة وغيرها من الادوات التي نفخ فيها الاستعمار الجديد من روحه عبر اليات الاستثمار في الفوضى.
عندما يطلب احدهم اعادة رسم الخرائط وبرمجة الشعوب وتغيير لغاتها ومعتقداتها تعسفا على التاريخ لمجرد كون الماضي لم يكن عادلا بما يكفي ليرضى عنه كل الناس اليوم، عندها تفهم ان الشحن يتم بطريقة عامية سطحية لانفس شبعت اضطهادا وحرمانا من اوجه متعددة اخرى، فاصبح بالامكان تصعيد النقمة بتشكيلات ممنطقة احيانا ونعرات قبلية وعائلية ومناطقية وفقهية ولغوية احيانا اخرى. 
ان هذه الشعوب التي تعاني الحرمان المعيشي بتغييبها عن سبب ازمتهاالنفسية والجسدية، تهرب من وحه قضياها المعيشيى اساسا وتساق الى تبني قضايا وعي مغلوط بالمطالبة بتطبيق دين على شاكلة معينة او تغيير نمط عيش او لغة او انتماء لكي تصعّد الشحن النفسي المرافق لمعاناتها المعيشية. اللامنطق في هذا ايضا هو ان لا علاق جدلية وعلمية بين ما تعانيه الشعوب من جهل وتفقير وتهميش وما تساق الى تبنيه من مواقف واقوال.  يتطلب تغيير وضعها ثورة حقيقية على من يسلبها حريتها ولقمتها وقرارها ويحول بينها وبين تجسيد برنامجها ومطالبها، ولا يتطلب ذلك تبني كلام الفتاوي الغريبة او المطالبات بالانتقام  من شخصيات تاريخية لم نعد نجد حتى مقابرها اليوم.
لا يمكن دس دعاوي الانسلاخ من وطن وتغيير لون علمه او لغته او اسمه الا باسلوب "حركي"  يوجه السلاح الى من يقاتل لكي تنتصر انت.  لا يمكن ان يشق اجتماع الناس  على مطالب وطنية الا من ي ريد ان يركب موجة حركية جديدة.  لا يستمرأ احد مسح الواقع الثقافي ونسفه الا ان يولغ في دماء ابناء جلدته من اجل وهم اختطه سابقوه. لا يقبل الله ان تسيل الدماء لكي يرضى.  لا يقدر احد ان يسقط هوى هوية واهية على الاخرين باسم حقوق تاريخية او متطلبات او الزامات دينية.
"الحركية" التي نعرفها هي حركة تاريخية صنعها الاستعمار الفرنسي للجزائر ووظف المكون الثقافي لجلب المهزوزين انتماءا وتعميق تهميشهم عبر اشراكهم  في محاربة المناضلين الوطنيين.  يبدو ان توظيف الحركيين البربر ضد اخوتهم من الطوارق كان درسا للفرنسيين وغيرهم من الاستعماريين لقوة المدخل النفسي والحضاري.  بريطانيا وظفت الطموحات القبيلة والاطماع السلطوية للتخلص من العثامنيين، كما ان امريكا ايضا وظفت الانتماءات العقدية المذهبية لكي تستطيع تركيع العراق فاصبح قتل الشيعي للسني والسني للشيعي امرا ضروريا لدخول الجنة، في حين ان التعامل مع المحتل فرصة لتحييد الطرف الاخر من التشكيلة السياسية المنتظرة. 
شعوب الارض تطلق الوصف الصحيح على من يخترق مصلحة الوطن لرؤية ضيقة او مخمصة في راي او نبش لماضي بخلفية غير علمية، في الواقع الوعي الزائف يبدأ بزرع الشك في موطن الاتفاق واليقين.  يقينك في تاريخك ولو كانت فيه صفحات تزييف محدودة يصبح كل التاريح مجالا للاختلاق من جديد والتزييف مرة اخرى لتنتج صفحة تاريخية اخرى اشد كذبا من الاولى.  الاديان ليست موضوعا علميا ولا مجالا للتجربة العلمية بحثا عن اليقينية ، لان اليقينات العلمية صحيحة في سياق ما وفي فتة تاريخية معينة قبل ان يقع تطويرها او تجاوزها.  وهكذا فان كل خطاب خاضع لمعيار الصدقية، الامر الذي يجعل الخبر، اي خبر، محمول على الصدق والكذب، بدرجات مختلفة.  وبذلك فان زرع التشكيك في اي خطاب امر طبيعي وشائع ومتاح.  لكن الموقف المشكك ذاته والقراءة المشككة ذاتها قابلين للتشكيك. وعندما يتعلق الامر بنصوص مرجعية كالدين والتاريخ والولاء الوطني، فإن التشكيك قد يكون فتنة وليست علما او منهجا مستأنسا. 
بذلك يظهر لنا المرجفون اليوم الذين يتصرفون ب"حركية" هادمة للشعب ولمؤسسات الدولة وكيانها الحضاري والثقافي في طلب وهم بركوب قضايا لها شرعية في ظاهر القول.  من ينادي اليوم بحركية حقوقية كانت او دينية او مدنية فهو داعي الى "حركية" وحراك مشبوهة فاحذروهم، هم العدو.
 

Saturday, February 28, 2015

اين نحن من صناعة العالم؟

التخويف\الارهاب الغربي هو اساس صناعة المال واطباق السيطرة على العالم. نحن الان ازاء دورة من دورات تطور العمران البشري وتشكل الكوكب ككيان له حاكمه ومؤسس عقليته ومراقب الحال فيه (كشكل من الادراة والتمثيل لهذا الكيان) يجب ان يذعن الجميع للرب الجديد الذي يشكل بعلمه وادواته العالم، مثلما حاولت بقية الشعوب الرائدة في فترات تاريخية سابقة.
اذا حالة الهيمنة الامريكية تتخذ هذه العلة كمسؤولية حضارية برغم وجود عامل الامتهان للضعفاء من اجل تواهصل رفاه الاقوياء. المعنى هنا ان المطلب كبير وجلل رغم امتعاضنا من دفع الفاتورة ونقص موارد والفرص ولا اخلاقية الهيمنة ونعرة التحرر. 
 لكن واقعيين ونسال انفسنا ماذا قدمنا للتراث البشري كاضافة نوعية منذ عصر الحداثة؟ ألى اي مدى انضبطنا في السياق الحضاري العام بشكل فاعل و ايجابي بعيدا عن الرفض المتطرف لكل شيء؟ ثم، ما الذي يجعلنا نتحمل وزر ما يقع لنا وجعلنا العبرة في كل فعل والمفعول به في كل تحول والمستخلص لكل الفواتير التي تتطلبها كل مراحل االتطور البشري، بدءا بالحروب الصليبية، مرورا بالاستعمار المستنزف للموارد والطاقات البشرية وانتهاءا بعصر تجسد التزاوج بين راس المال المعولم والمشروع الصهيوني والتقائه مع محور تشكيل المنظومة العالمية لقيادة وتمثيل العالم؟
ان الرابط الاساسي بين كل هذه الاشكاليات لا يكمن في وضع تخمينات عن سبب تخلفنا في صياغة مشاريع للخروج من الازمة، كما فعل رواد عصر النهضة وورثة افكارهم اليوم، بقدر ما يفترض الانتهاء الى مكامن الخلل وتحليلها بشكل مقنع لنعرف في فضاء الظلمة الذي نحن فيه اين يقبع سبب داء الارتهان والهوان والضياع.  إن تاخرنا عن المساهمة في التراث البشري لم يكن اساسا بسبب ضعف تقدمنا التكنولوجي والعلمي بقدر ما كان متمثلا في عدم قدرتنا على الانصهار في ثقافة العالم بدل مواصلة طرح انفسنا بكل وهمية كبديل منفرد ومتفرد لا يندمج بل يطلب اندماج الاخرين في ثقافته، فديننا ولغتنا واسس حضارتنا هي الاسمى والانقى عنصرا ومضمونا وبقينا نعيش بهذا الوهم قرونا الى ان اصبح عامل  تحييدنا كمكون وجب التخلص منه، من طرف العالم ومنظومة توحيده،  بكل الطرق الاخلاقية وغير الاخلاقية امرا ضروريا.  صحيح ان عناصر تشكل هذه العقلية فينا امر فيه الكثير من الصحة كما يبدو لنا، لكنه كخطاب  داخلي وكمناجاة باطنية استهلك كل قوانا واذاب احساسنا بضرورة صنع شيء يتماشى مع متطلبات تحقيق ذواتنا. ثم انه صنع منا كيانات تمجد الماضي وتستهلك التاريخ الذاتي جدا.
إذا فضرورة ان يتحول العالم الى كيان موحد بقيادة واحدة يتطلب تخليص البشر من معيقات حضارية وفكرية كالتي نمتلك. وهو امر لا دخل لنا في تشكيله او رفضه لانه اصبح معطى واقعيا يجب ان تعامل معه بعيدا عن التشكيك والانكار والرفض.  ثم ان قضية تمسكنا بالمحرمات والضوابط الاخلاقية التي تهدف منظومة راس المال الى دفنها هو ما جعلنا خارج سياق المحركات الكبرى للاقتصاد العالمي وثقافة الابداع فيه.  من الطبيعي ان نتمسك بقوانين وضوابط نعرف جيدا جدواها المعيشية قبل اهميتهاالاخلاقية، لكن طرحها في نواميس تعاملنا مع الاخر يجعلنا مستهدفين قبل غيرنا.
فلنأخذ مثال الربا، فلم تنزل ي القران الكريم اية تشدد العقاب بمثل ما فعلت اية الربا في سورة البقرة، اذ ان العمل بالربا هو محاربة لله عز وجل، والناظر الى حال العالم يعلم ان شفط المقدرات البشرية الان يتم  بفعل حركة الاموال عبر حركة الربا البنكية وتصاعد التضخم. بمعنى انه علينا اما ان نترك القول باحداث نظام مصرفي يلائمنا وان نعمل على اسلمة العالم والمعاملات او ان نكون واعين بشكل كاف لكي نصع بديلا يفرض نجاحه منظومة اخرى تستقطب العالم ولا تكون سبا في استهدافنا.  ان عدم قدرتنا على تشكيل وعي بعنصري الانصهار و الاضافة، اللتان نجحت في فهمهما ثقافات اسيوية اخرى سايرت الركب وفهمت كيف تركب السفينة، جعلا منا هدفا سهلا لمخططات خطيرة لا ترمي الى ردمنا بشكل خاص واستثنائي بقدر ما تهدف الى استعمالنا كاداة لتسريع عملية تسيير الكون كلية والسيطرة على ادارته. 
ان كل ما يتم الان في الوطن العربي والعالم هو استعمال للتخويف \الارهاب كأداة لتركيع الناس كما تستعمل العصا مع القطيع.  تركيعهم من اجل ضرب روح المقاومة وشل حركتهم بكل الوسائل لكي يستكمل الفريق المتخفي والمتنفذ بشكل كبير جدا عملية سيطرته على العالم ومراقبته لحركات الكائنات وسكناتها.  في حقيقة الامر، بقدر ما نستهجن هذا الاطباق على انفاس البشر، بقدر ما ننظر الى ما في الامر من روح مسؤولية بشيء من الايجابية التي لا تخلو من تفاؤل ساذج قد يساعدنا على قبول الاقدار.

Wednesday, February 4, 2015

الثورة الحقيقة

ما يفعله المتطرفون هو فضح لمشروع الوهم، فقد ظل كثيرون منا يقولون ان المشكل كامن في الدين نفسه او في تأويل خاطئ له. ويقول المتفقهون علما ومعرفة ونباهة زائدة عن المعروف ان الاسلام دين الوسطية وان علينا البحث عن منطقة الوسط في كل المسائل التي تعرض علينا في الدنيا، اي ان التدين الصحيح هو عبارة عن توسط في الكمية والمقادير بمعنى المنزلة بين المنزلتين. يعني اذا قيل لك عن القتل والترويع في الاسلام فعليك ان تتخذ موقفا وسطا تمويها وتلفيقا وتعمية كان تقول ان الاسلام غير عنيف وغير مسالم تماما وان السلف الصالح رضوان الله عليهم لم يخطؤوا عندما حرقوا تقاتلوا وسبوا ونكل بعضهم بالبعض الاخر، فقتل رضي الله عنه رضي الله عنه اخر وكلاهما مبشر الجنة.  هل هنالك خداع ذاتي اكثر من هذا؟؟؟
يصل بنا فقه الوسط الى نطقة وسطى بين المنزلتين لا تليق الا بمن يختار الوسطى او يريد ان يلغي المنطق ويغتال العقل، الامر قد يمر على عالم يتوارث الجهل ويلقح لقبول المخازي والدروشة جيلا وراء جيل وكابرا عن كابر.  لكن هذا لا ينطبق على رسالة ارسلت للعالمين، يعني اما ان تنخرطوا في منطق العقل وتقولوا شيئا مهما، منطقيا، متناسقا وواضحا لا فقه ومأمأة فيه أو ان تعلنوا افلاس مقولاتكم البالية وتحافظوا على جلستكم على الوسطى. 
الامر وما فيه هو اننا، وبمحض ارادتنا الحرة، حرية وحوش البرية، انخرطنا في مسار المشيخانية (غير مشتقة من الشيوخ، الشيخ الخ)، اي اضفاء قدسية غريبة على الاسماء والنصوص التراثية وجعلها في منزلة المنزه. فترى ان الحديث عن الصحابة مثلا يحاط بهالة من التقديس ترقى الى اعتبار كلامهم التراثي فقها ومرجعا اساسيا في الدين.  ثم ان فهم النص قطعي الدلالة والثبوت يقتضي تدخلا لاهوتيا من رجال الدين الذين جبنوا امام الموروث النصي اصلا.    ثم انهم يعتمدون موازنات خارجة عن منطق النص القراني الجامع، فضلا عن كونهم قراءا للكلمات والجمل لا يرتقون الى مرتبة الفاهم والقارئ للنص كوحدة خطابية.
  يبقى تأخر المسلمين عن الاسهام في مجال من اخطر مجالات العصر متمثلا في تحليل الخطاب من اهم مطابت سقوطهم المتاخر، مقارنة بالمسيحيين، في مطب المشيخانية.  صحيح ان ادخال نصوص العهد القديم الى الاسلام لم يكن ممكنا لكن ما وفره التراث الفقهي العقيم وما قدمته الخلفية التوظيفية لاغلب المسانيد السنية  (نسبة الى السنة النبوية)، شيعة وسنة،  جعلنا في نفس نتيجة الحركة المشيخانية التي  برزت في العصور الوسطى  والتي بفعلها وقع تجاوز النص التوراتي  واعتماد القبالا والتلمود وادخال العهد القديم الى الانجيل.  كانت النتيجة ان بررت، بل  طعت مع كل المحرمات السابقة واصبح الدين داعيا الى تعميد السلوكات غير الاخلاقية والمشاريع المفنية للجنس البشري.
ما يقع اليوم امر في غاية الاهمية لاننا سنشهد قريبا حربا باوراق مكشوفة، لعل استعمال ورقة الارهاب فيها وبشكل مكشوف اول بوادرها.  اصبح الجميع يعي جيدا ان من يحارب الارهاب لا يعدو ان يكون شخصا اخر غير زارعه وراعيه. وان الارهاب له ما يبرره دينيا اكثر مما يسفهه، بحيث يصبح الحديث عن لا اسلاميته مجرد تنصل منه بالالتجاء الى فكرة الوسطية.
  نحن مقبلون على مزيد من الانكشاف والكشف. حرب العراة هي اذا مشهد حتمي سيجعل اصحاب العورات المشوهة اكثر عرضة للضرب.  كما انه سيجعل وتيرة الزمنونسق التغيير فيه اسرع في اتجاه فرز الصفوف، الامر الحتمي بشريعة القران ومنهجه.  فالصراع الحقيقي هو بين الوهم والحقيقة، وكلما انكشفت عورة الوهم كلما كان سقوطه اكثر تسارعا.  هذا ما يعني ان سقوط محور الوهم سيكون في زمن قياسي، مقارنة بما اخذه من وقت لكي يمتد ويترسخ.  كل ما يقع الان هو   صعود ملحوظ وبشكل ملفت للنظر لمحور الحقيقة، اي محور من يرون الامر كما هو ويرفضون التطبيع مع الخطأ والوهم والتزييف، أي محور مقاومة الوهم.  ان مظاهر الاعدام المجاني ثم الجوء الى الذبح ثم الحرق ماهي الا هستيريا جلاد، تتنامى لتسهل انهياره ونهاية حقبته.