مجاوزة اللزوم

Sunday, November 9, 2014

حرب المجالات الاقليمية ودوائر النفوذ وغزوات الموارد الباطنية


حرب المجالات الاقليمية ودوائر النفوذ وغزوات الموارد الباطنية

ماذا تعني الثورات العربية للمشروع الصهيوامريكي؟

 

يلاحظ الناظر إلى مجمل الاحداث والمآلات التي تودت عنها الثورات العربية منذ سنة 2011 أن حكات التغيير طال بشكل خاص المجالات الهامشية في هذه الدول فضلا عن فشلها في إحداث تغيير في مختلف أوجه الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي، بخلاف ما يروج له من مهرجانات فلكلورية في الانتخابات والتداول على السلطة بكل غير عنيف في غالب الاحيان.  لقد فشلت الثورات في تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي يشرك مختلف اطياف الشعب في العملية السياسية بدون تاثيرات خارجية مباشرة واختراقات قصد منها افشال العملية برمتها أو تحويل مجالها إلى التلهي بقضايا هامشية.  فنتج عن كل ذلك غياب لبرامج تنموية حقيقية واشراك فاعل لمختلف الفعاليات والمجتمعية والمدنية، إضافة إلى تردي تام في مستوى المعيشة والامن وغياب لروح الامل والانفراج لدى قطاعات كبيرة من الشعب بما فيها قطاع الشباب. 

في مقابل هذا الوضع المخالف للمألوف لدى الشعوب التي قامت فيها ثورات اطاحت بأنظمة فاسدة ظهرت تدخلات أجنبية وبرامج نبست بها المؤسسات الاعلامية ووشت بها وقاءع الحال كشفا وتعرية وإظهارا للنوايا.  يتضح للملاحظ البسيط أن الازمة الخانقة التي خلفتها المشاكل الاقتصادية لسنة 2008 في العالم الغربي نتجت عن تصدع في المنظومة البنكية بسبب شفط احادي الجانب في السيولة المصرفية لأدى الى مشاكل هيكلية اصابت المؤسسات الاقتصادية وازمة ثقة لدى المواطن والمستثمر على حد السواء.  في سياق هذه الازمات تزداد افق التوسع والنمو لاقتصاديات دول اسيوية مهمة مثل الصين وروسيا.  ففي حين يتحرك الاهتمام الاستثماري في هاتين الدولتين الى القارة الافريقية بحثا عن موارد باذنية مهمة لازال الحديث عنها قليلا واستثمارها محدودا للدول التي هي عادة من خارج النفوذ التقليدي في المنطقة.  فمناجم الذهب واليورانيوم وحقول البترول لم تفتح امام المستثمرين الروس. كما أن الاستغلال الصيني لحقول السودان كان قد كلفها حربا فقدت فيها الجزء الجنوبي من الوطن عقابا لها على إقصاء امركيا من الغنيمة.  ومهما قدم السودان من تنازلات وتعبيرات عن حسن النية فإن الغضب الغربي لن يهدأ، وفي قصة القذافي مع الغرب عبرة لمن يعتبر.

وفرت الحرب على سوريا، من جهة أخرى، فرصة لخنق المقاومة في لبنان وفلسطين ليس فقط حماية لاسرائيل وإلهاءا لاعدائها التقليديين والشرسين، بل كذلك إنشاءا لمنظومة جديدة من المجالات الأقليمية ودوائرالنفوذ لتخفيف الضغطين الامني والاجتماعي على المنطومة داخل هذا الكيان المنهك بشكل شبه معلن بعد هزيمة حرب 2006 وفشل عدوان 2008 في ارضاخ ما بقي من حركات المقاومة.  لقد تحولت الدول العربية المعادية لمشروع السلام وتلك الممثلة لقوى أقليمية هامة سياسيا وعسكريا إلى بؤر توتر تطرح فيها قضايا الاديان والمذاهب وتظهر فيها تنظيمات بل وتحكمها أحزاب دينية تطرح أفكار الحاكمية ولباس المرأة وتطبيق ما تسميه بالشريعة قبل المشاغل الامنية والاقليمية والتنموية ثم تنخرط في مشروع اقليمي تتزعمه قطر الراعية لقاعدتين امريكيتين ساهمتا في العدوان على دول منها العراق ثم تركيا التي تحوي قاعدة حلف شمال الاطلسي التي منها قصفت ليبيا وغيرها.  من المفارقات ايضا ان طروحات الحركات الاسلامية المستفيدة سياسيا من الثورات تحولت الى مصالح تنظيمية بحتة بعد ان كانت تنظَر للوحدة الاسلامية وتنشد قيامها بين كل الاقطار متجاوزة حتى الاحلام القومية في الوحدة.

   في دول مثل تونس اصبحت قوانين حضر احداث الاحزاب على اسس عرقية او دينية يسمح باحزاب وحركات تدعو جهارا الى توجهات دينية دون اخرى معادية للمنظومة الديمقراطية والوحدة الترابية للدولة.  لقد نشأ حزب التحرير رافضا للدولة وللديمقراطية وظهر حزب امازيغي يدعو الى حقوق اقليات عرقية في باب السياسة والى اعادة امجاد البربر وطرد العرب في اطر ثقافية قريبة منه.  ثم اصبح المشهد السياسي بعد الانتخابات يدعو الى التفرقة بين الشمال والجنوب بحكم النتائج الانتخابية.  وظهرت خرائط جديدة يقع تمريرها عبر الاشاعات المدروسة لدولة امازيغية توحد جنوب تونس وليبيا والجزائر في مناطق استغلال حقول نفطية وتوحد ديمغرافي وثقافي مزعومين.  ثم وشت زيارة برنار ليفي الصهيوني الفرنسي لزعماء ليبيين وناشطين امازيغيين واخرين لم يكشف عنهم الاعلام بعمل ما تستغل فيه حماسة الاقلية البربرية الى تكوين دولة على غرار الاكراد وجنوب السودان بمساهمة ليبيين تمتد الى الجزائر لضربها والحاقها  بركب دول الفوضى. ببساطة إن كان في هذه الزيارات والمشاريع طروحات شريفة وبنَاءة لما كانت وقعت في الخفاء وبعيدا عن الاعلام.  يدور كل هذا الركض في إطار خلق مراكز نفوذ لحركات اسلامية تكفيرية عنيفة في مناطق جغرافية صعبة لكنها استراتيجية تقع بين تونس والجزائر.  لقد كانت تلك المنطقة الجبلية ذات اهمة خاصة عند الرومان ومنها دخل الفرنسيون المستعمرون الى تونس.  لذلك فان اختيارها لهذه المنطقة ليس الا لدور اقليمي خطير يتجاوز ضرورات التخفي التي تحتاجها هذه الحركات عادة.

وفي حال غرق الجزائر لا قدر الله فإن المجال الاقليمي لاسرائيل ونفوذها غير المباشر سيكونان قد فاقا مؤهلاتها الجغرافية والسكانية بل و حتى العسكرية.  وهذا هو مربط الفرس في كل ما يحدث. فلقل اصبح جليا أن النتائج والنجاحات التي يحققها الضرب المباشر لدول عربية ذات وزن سياسي واستراتيجي مثل مصر وسوريا والجزائر مع تحييد شبه تام لادوارها القومية والاقليمية يضاف اليه انهاك متواصل لقواها بقضايا كلها تتعلق بالماضي  هو توسع في المجال الاقليمي لاسرائيل.

ثم ان تقسيم هذه الدول من أجل ان يشعر ادعياء الاقليات بانهم ثأروا من الماضي ويتمكن اتباع بعض المذاهب الدينية من فرض طريقتهم في الحياة والتدين يعد إنجازا تاريخيا تعجز عنه عساكر اقوى المبراطوريات.  هذا الموقف لا يجب ان يعد مصادرة لحقوق الاقليات والجماعات العرقية والدينية في ممارسة حقوقها في تدريس لغاتها وثقافتها والتعبير ثقافيا واجتماعيا عن تواجدها كمكون وطني في كل الاقطاردون الاقصاء والتهميش والتحقير الذي قد يشعر به بعضهم. لكن الخيط الفاصل بين هذه الحقوق والاستغلال السياسي لها يتمثل أساسا في تبني مواقف العداء وممارسة الاقصاء ضد الاخرين في خطابات التهييج الشعبوية التي يراد بها لفت النظر ورفع مستوى الطرح من موضوع شان عام ذي عدالة واحقية الى انشاء قضية لها مريدون وانصار.  ففي جنوب السودان كان الخطاب الشعبوي السائد يتحدث عن شماليين وافدين على المجال الافريقي واخرين ابناء بلد في الجنوب.  فلم تشفع البشرة السوداء للشماليين لكي يفقدوا وطنيتهم.  بمثل هذه التسطيحات للقضايا يكسب طارحو هذه المواضيع شرعية القضية ولكي يجعلوا الوهم واقعا فإنهم يتمسكون بالقشة. لكن بذلالقشة يتدلى اليهم حبل المحرك الدولي والاقليمي لاصحاب قضايا التلهي المكلف بجمع حطب لنار الفتنة ويجعل منهم وقود حرب يتقاتل فيها ابناء الوطن الواحد فقط لينتصر احدهم على الاخر.  الا يرون ان امريكا لا تسمح بتغول التكفيريين لاسقاط نظام الاسد ولا للاسد بسحقهم؟ اليست هذه عبرة لكل تكفيريي العالم؟

دى الى

 

No comments:

Post a Comment