مجاوزة اللزوم

Wednesday, February 4, 2015

الثورة الحقيقة

ما يفعله المتطرفون هو فضح لمشروع الوهم، فقد ظل كثيرون منا يقولون ان المشكل كامن في الدين نفسه او في تأويل خاطئ له. ويقول المتفقهون علما ومعرفة ونباهة زائدة عن المعروف ان الاسلام دين الوسطية وان علينا البحث عن منطقة الوسط في كل المسائل التي تعرض علينا في الدنيا، اي ان التدين الصحيح هو عبارة عن توسط في الكمية والمقادير بمعنى المنزلة بين المنزلتين. يعني اذا قيل لك عن القتل والترويع في الاسلام فعليك ان تتخذ موقفا وسطا تمويها وتلفيقا وتعمية كان تقول ان الاسلام غير عنيف وغير مسالم تماما وان السلف الصالح رضوان الله عليهم لم يخطؤوا عندما حرقوا تقاتلوا وسبوا ونكل بعضهم بالبعض الاخر، فقتل رضي الله عنه رضي الله عنه اخر وكلاهما مبشر الجنة.  هل هنالك خداع ذاتي اكثر من هذا؟؟؟
يصل بنا فقه الوسط الى نطقة وسطى بين المنزلتين لا تليق الا بمن يختار الوسطى او يريد ان يلغي المنطق ويغتال العقل، الامر قد يمر على عالم يتوارث الجهل ويلقح لقبول المخازي والدروشة جيلا وراء جيل وكابرا عن كابر.  لكن هذا لا ينطبق على رسالة ارسلت للعالمين، يعني اما ان تنخرطوا في منطق العقل وتقولوا شيئا مهما، منطقيا، متناسقا وواضحا لا فقه ومأمأة فيه أو ان تعلنوا افلاس مقولاتكم البالية وتحافظوا على جلستكم على الوسطى. 
الامر وما فيه هو اننا، وبمحض ارادتنا الحرة، حرية وحوش البرية، انخرطنا في مسار المشيخانية (غير مشتقة من الشيوخ، الشيخ الخ)، اي اضفاء قدسية غريبة على الاسماء والنصوص التراثية وجعلها في منزلة المنزه. فترى ان الحديث عن الصحابة مثلا يحاط بهالة من التقديس ترقى الى اعتبار كلامهم التراثي فقها ومرجعا اساسيا في الدين.  ثم ان فهم النص قطعي الدلالة والثبوت يقتضي تدخلا لاهوتيا من رجال الدين الذين جبنوا امام الموروث النصي اصلا.    ثم انهم يعتمدون موازنات خارجة عن منطق النص القراني الجامع، فضلا عن كونهم قراءا للكلمات والجمل لا يرتقون الى مرتبة الفاهم والقارئ للنص كوحدة خطابية.
  يبقى تأخر المسلمين عن الاسهام في مجال من اخطر مجالات العصر متمثلا في تحليل الخطاب من اهم مطابت سقوطهم المتاخر، مقارنة بالمسيحيين، في مطب المشيخانية.  صحيح ان ادخال نصوص العهد القديم الى الاسلام لم يكن ممكنا لكن ما وفره التراث الفقهي العقيم وما قدمته الخلفية التوظيفية لاغلب المسانيد السنية  (نسبة الى السنة النبوية)، شيعة وسنة،  جعلنا في نفس نتيجة الحركة المشيخانية التي  برزت في العصور الوسطى  والتي بفعلها وقع تجاوز النص التوراتي  واعتماد القبالا والتلمود وادخال العهد القديم الى الانجيل.  كانت النتيجة ان بررت، بل  طعت مع كل المحرمات السابقة واصبح الدين داعيا الى تعميد السلوكات غير الاخلاقية والمشاريع المفنية للجنس البشري.
ما يقع اليوم امر في غاية الاهمية لاننا سنشهد قريبا حربا باوراق مكشوفة، لعل استعمال ورقة الارهاب فيها وبشكل مكشوف اول بوادرها.  اصبح الجميع يعي جيدا ان من يحارب الارهاب لا يعدو ان يكون شخصا اخر غير زارعه وراعيه. وان الارهاب له ما يبرره دينيا اكثر مما يسفهه، بحيث يصبح الحديث عن لا اسلاميته مجرد تنصل منه بالالتجاء الى فكرة الوسطية.
  نحن مقبلون على مزيد من الانكشاف والكشف. حرب العراة هي اذا مشهد حتمي سيجعل اصحاب العورات المشوهة اكثر عرضة للضرب.  كما انه سيجعل وتيرة الزمنونسق التغيير فيه اسرع في اتجاه فرز الصفوف، الامر الحتمي بشريعة القران ومنهجه.  فالصراع الحقيقي هو بين الوهم والحقيقة، وكلما انكشفت عورة الوهم كلما كان سقوطه اكثر تسارعا.  هذا ما يعني ان سقوط محور الوهم سيكون في زمن قياسي، مقارنة بما اخذه من وقت لكي يمتد ويترسخ.  كل ما يقع الان هو   صعود ملحوظ وبشكل ملفت للنظر لمحور الحقيقة، اي محور من يرون الامر كما هو ويرفضون التطبيع مع الخطأ والوهم والتزييف، أي محور مقاومة الوهم.  ان مظاهر الاعدام المجاني ثم الجوء الى الذبح ثم الحرق ماهي الا هستيريا جلاد، تتنامى لتسهل انهياره ونهاية حقبته. 

No comments:

Post a Comment